واقع الأحياء السكنية في المدن الأردنية: تحديات وحلول عملية

واقع الأحياء السكنية في المدن الأردنية: تحديات وحلول عملية

درب الأردن - كتب أ.د. محمد الفرجات

ينعكس واقع الأحياء السكنية على الحالة الاجتماعية والنفسية والبيئية لسكانها، وينعكس على إيجابيتهم بكافة القضايا، حيث تلعب جودة البنية التحتية والتنظيم الحضري دورًا محوريًا في تشكيل السلوك العام للسكان، لا سيما الأطفال الذين ينشأون في هذه البيئة. إلا أن الواقع الحالي للأحياء في المدن الأردنية يواجه تحديات بيئية وتنظيمية معقدة تؤثر سلبًا على السلامة العامة وجودة الحياة.

أولًا: التحديات والمشاكل الحالية في الأحياء السكنية

1. بيئة غير آمنة للمشاة وطلبة المدارس

الأرصفة غير مؤهلة بسبب التعديات من المحال التجارية والمركبات والمخلفات.

الأطفال يُجبرون على السير في الشوارع، مما يزيد من احتمالية تعرضهم لحوادث المرور.

غياب الرقابة على الشباب غير المرخصين الذين يقودون بتهور.

2. الفوضى العمرانية والمخلفات العشوائية

انتشار أنقاض البناء والمخلفات على الأرصفة والطرقات دون تنظيم.

وجود مواد بناء غير مأمونة (حجارة، أخشاب، حديد) تعيق المشاة وتزيد من المخاطر.

تداخل غير قانوني بين الأبنية العامة والخاصة، مما يشوه المنظر العام للأحياء.

3. غياب المرافق الترفيهية والمساحات العامة

ندرة المتنزهات، وإن وجدت فهي غير مستغلة أو مهملة.

غياب ملاعب الأطفال وساحات اصطفاف السيارات، مما يخلق أزمات مرورية وسلوكية.

تحوّل بعض الحدائق العامة إلى بؤر لممارسات غير قانونية لغياب الرقابة.

4. التدهور البصري والجمالي في الأحياء

انتشار بقايا اليافطات الإعلانية والدعائية المهملة بعد الانتخابات أو الحملات التجارية.

استخدام الزينكو العشوائي في واجهات الأبنية، دون مراعاة جمالية أو تنظيم البناء.

جدران وأسوار مهملة تحتاج إلى إعادة طلاء، مما يساهم في تراجع الصورة الجمالية للأحياء.

5. تردي البنية التحتية وسلامة الشوارع

كثرة الحفر في الأرصفة والشوارع دون صيانة دورية.

تهالك الكندرين وخطوط تخطيط الشوارع، مما يجعل معابر المشاة غير مرئية وغير آمنة.

غياب أغطية أعمدة الكهرباء المكشوفة، مما يشكل خطرًا مباشرًا على الأطفال والمارة.

مشاريع البنية التحتية تفتقر إلى تدابير السلامة، حيث لا توجد حواجز أو إشارات تحذيرية كافية لحماية المشاة.

ثانيًا: الحلول العملية لتنظيم وتحسين الأحياء السكنية

1. تطوير الأرصفة ومسارات المشاة

- فرض رقابة صارمة لمنع التعديات على الأرصفة وإعادة تأهيلها بمواصفات عالمية.

- تخصيص ممرات آمنة لطلبة المدارس، مع تفعيل الرقابة على المخالفات المرورية التي تهدد حياتهم.

- تنظيم حملات توعية لأولياء الأمور والمجتمع حول أهمية سلامة الأطفال في الطرقات.

2. تنظيم عمليات البناء والتخلص من المخلفات

- إلزام المقاولين والشركات بوضع حاويات مخصصة لمخلفات البناء وعدم تركها عشوائيًا. 

- تفعيل عقوبات على المتسببين في الفوضى العمرانية والإضرار بالأماكن العامة.

- تحسين آلية جمع النفايات الصلبة، وتعزيز عمليات الفرز وإعادة التدوير.

3. إعادة تأهيل المرافق الترفيهية والمساحات العامة

- إنشاء متنزهات وأماكن ترفيهية ضمن المخططات الحضرية لكل حي جديد.

- تفعيل دور البلديات في صيانة المتنزهات وتأمين الرقابة لمنع الممارسات غير القانونية فيها.

- توفير ساحات مخصصة للأطفال للعب بأمان، بما ينعكس إيجابًا على سلوكياتهم ونموهم النفسي والاجتماعي.

4. تحسين جمالية الأحياء السكنية

- إزالة المخلفات الإعلانية واليافطات القديمة، وتحديد أماكن مخصصة للدعاية بشكل منظم.

- فرض معايير تنظيمية لجدران الأبنية، وإلزام المالكين بإعادة طلاء الواجهات المهملة.

- منع استخدام المواد العشوائية مثل الزينكو في الواجهات، واستبدالها بتصاميم تراعي النمط العمراني للمدينة.

5. تحسين البنية التحتية وتعزيز السلامة العامة

- وضع خطة صيانة مستمرة للشوارع والأرصفة، وإصلاح التخطيط المروري بانتظام.

- تغطية أعمدة الكهرباء وتوفير بدائل آمنة لمنع تعرّض الأطفال والمواطنين للخطر.

- فرض شروط صارمة على الشركات المنفذة لعطاءات البنية التحتية لضمان الالتزام بإجراءات السلامة.

ثالثًا: آليات التنفيذ والمتابعة

1. تعزيز الوعي المجتمعي والمواطنة الصالحة

- إطلاق حملات توعوية تشمل المدارس والمراكز المجتمعية والإعلام حول أهمية الحفاظ على البيئة الحضرية.

- تشكيل لجان أحياء من السكان لمتابعة المشاكل ورفعها للجهات المعنية.

- تحفيز المبادرات التطوعية لتنظيف الأحياء وتحسين مظهرها العام.

2. تطوير الرقابة على عطاءات النظافة والصيانة

- إجراء تدقيق دوري على التزام شركات النظافة بشروط العقود الموقعة.

- تفعيل دور ديوان المحاسبة لضمان عدم وجود تقصير أو فساد في تنفيذ العطاءات.

- وضع مؤشرات أداء واضحة ومقاييس جودة لمتابعة خدمات النظافة والصيانة في الأحياء.

3. إلزام المسؤولين بمتابعة الأحياء السكنية ميدانيًا

- إشراك رؤساء البلديات والجهات التنفيذية في جولات ميدانية شهرية لمتابعة حالة الأحياء.

- فرض تقارير دورية على المسؤولين حول التحديات والحلول المقترحة لتنظيم الأحياء.

- تفعيل قنوات تواصل بين المواطنين والجهات المعنية للإبلاغ عن المشاكل ومتابعة حلها.

رابعًا: دور القانون في تنظيم المدن وضمان استدامتها

- سن قوانين صارمة تضمن التزام الجميع بالمعايير البيئية والتنظيمية في الأحياء.

- تفعيل الغرامات والعقوبات ضد من يخالف أنظمة البناء، أو يعتدي على الأرصفة، أو يتسبب في الفوضى العمرانية.

- تعزيز الرقابة البلدية لمنع انتشار العشوائيات وضمان الالتزام بالمخططات التنظيمية.

إن الأحياء السكنية ليست مجرد تجمعات من المباني والشوارع، بل هي موطن للأسر التي تنشئ الأجيال القادمة. ولذلك، فإن تحسين البيئة الحضرية ليس ترفًا، بل ضرورة تؤثر على السلامة العامة، والصحة النفسية، والانتماء الوطني. إن الحلول متاحة، والتطبيق ممكن، وكل ما نحتاجه هو الإرادة الحقيقية، والرقابة الفعالة، والتوعية المستمرة لجعل أحيائنا أكثر تنظيمًا وجمالًا وأمانًا.