زواج الأردنيين بين التقاليد والتحديات الاقتصادية: هل صندوق الستر هو الحل الأمثل؟
درب الأردن -
بقلم: الدكتور محمد جودة والمهندس رائد الصعوب والذكاء الاصطناعي يحللان
نص المقالة:
خبر اليوم: انخفاض ملحوظ في حالات الزواج في الأردن.
من أهم الأسباب التي تمنع الشباب والشابات من الزواج البطالة وقلة الإمكانيات المادية. فالزواج يتطلب مصاريف كثيرة، منها شراء شقة وتجهيزها بكل ما يلزم، سواء للحياة الزوجية أو لتأسيس أسرة. وإذا كان الزواج أحد أسباب السعادة للشباب وللأهل، وهو واجب ديني واجتماعي لحماية المجتمع من الانحلال، فإنه من الضروري إيجاد حلول عملية وسهلة لتشجيع الشباب على الزواج وتقديم الدعم لهم.
"الحل سهل، ولكن سأبدأ من زاوية أبعد لأقوم بتوضيح المقصد. عند وصولي إلى الأردن من إيطاليا مع زوجتي الإيطالية لقضاء فترة الصيف ككل عام، فزوجتي لا تحب الذهاب إلى أي مكان آخر في الصيف حيث تجد في الأردن ترحيبًا وحنان العائلة والأصدقاء والمعارف في الأردن والتي يحبونها وتحبهم وتحن دومًا إليهم وتعرف كل زاوية في ربوع هذا الوطن. وكالعادة كنا مدعوين لحضور حفل زواج أحد الأصدقاء المقربين وكان هذا الحفل في أحد الفنادق الكبيرة المهمة وما أكثرها في الأردن. وعندما سألت ما هو مطلوب منا لنقدمه، أخبرونا بأن لا شيء لأن العروسين غير محتاجين وكانت حفلة ككل صيف لا يمكن وصفها إلا بأنها مبهرة ومكلفة جدًا ونادرًا ما نجد في إيطاليا مثلًا لها. على كل حال، من يقدر يفعل حتى لو كنت مقتنعًا بغير ذلك ولكن هذا يحدث في عالمنا العربي."
قبل عدة ايام كنت اقوم مع بعض الاصدقاء برياضة المشي في احد احياء عمان الغنية فرأينا خيمة ممتدة على ما شاء الله فسألت عاملا كان يرتب المقاعد هل هذه خيمة انتخابات فأجاب بلا انما هي للاحتفال بزواج ابن مقيم الحفلة و سوف تقوم المناسف طيلة النهار والدعوة عامة و لكل من يمر في هذا المكان و لمدة ثلاثة ايام ... ما كنت اعتقد بأن الزواج يجلب للمجتمع هكذا سعادة مكلفة. عندما كنت طفلا واعيا كنت اذهب مع الوالدة رحمها الله ورحم كل من فقدنا, الى الاعراس و الافراح التي كانت تقام في بيت احدى عائلات العروسين ببساطة و فرح وغناء و كنت اسمعها تقول قدمنا لهم نقوط فهمت بعد ذلك انها مساعدة مالية يقوم كل المعازيم بتقديمها للعروسين سواء محتاجين ام لا وهذا صراحة ما حصل معي في ايطالي عندما دعونا الاصدقاء لغداء في مطعم فكل عائلة مدعوة تركت ظرف بما قيمته ثمن الغداء لكل فرد و بزيادة عن ذلك حتى وجدنا بأن غطينا مصاريف الزواج و الاجازة اسبوع بعده.وعادة ما يختار العروسان محل تجهيز البيت من فرش و ادوات منزلية وغيره و يضعون اسم المحل وعنوانه في الدعوة و يتوجه المدعوين الى المحل ويسأل عن جهاز فلن و يضع مبلغا من المال حسب استطاعته و في النهاية غالبا ما يجد العروسين ان ثمن جهازهم بالكامل قد تم سداده.
تقاليد النقوط:
النقطة كمساعدة: كما ذكرتِ، النقطة كانت تعتبر مساعدة مالية للعروسين لتجهيز بيتهما الجديد.
النقطة في إيطاليا: تجربتنا في إيطاليا تظهر أن تقاليد تقديم الهدايا في الأعراس ليست مقتصرة على ثقافتنا، بل هي عادة متجذرة في العديد من المجتمعات.
تطور مفهوم النقطة: مع مرور الوقت، تطورت مفهوم النقطة. في الماضي، كانت النقطة عبارة عن مبلغ نقدي بسيط، أما الآن فقد أصبحت هدايا متنوعة تشمل الأجهزة المنزلية والمبالغ المالية الكبيرة.
اختيار محل التجهيزات:
التسهيل على المدعوين: كان من الشائع أن يختار العروسان محلًا لتجهيز منزلهما ويدعوا المدعوين لشراء الهدايا منه. هذا الأمر يسهل على المدعو اختيار هدية مناسبة ويضمن للعروسين الحصول على كل ما يحتاجانه.
التوفير على العروسين: هذه الطريقة تضمن للعروسين الحصول على كل ما يحتاجانه من الأجهزة المنزلية دون الحاجة إلى بذل مجهود كبير في اختيارها.
في بداية الصيف دعانا بعض الاصدقاء الى قهوة في مكان مرتفع مع منظر جميل مطل على عمان و لاحظت ان المكان ممتلئ ولكن الملاحظة الغريبة والتي لاحظتها ايضا زوجتي ان عدد الاناث من كافة الاعمار يفوق بكثير عدد الذكور و كانوا عبارة عن مجموعات اناثية فيما بينهم و تطغي على موائدهم الارجيلة و ككاننا في مكان يحترق من كثر الدخان. وعندما سألت دردشة احدى صديقاتنا وهي صيدلانية شابة عن ما يحدث اجابتني باجابة اذهلتني فعلا .. عمو.. زمان البنت كانت تستنى فارس احلامها يطلعها من بيت ابوها .. والان لما اصبحنا احرار و اشتغلنا صرنا نسأل الشاب قديش معاشك ؟ شو عندك اكتر مني ؟ بطلنا نرتمي في البيت زي زمان نطبخ ونغسل .. الان منشتغل و عنا شغالة بتغيل و بتطبخ وبتربي الاطفال و اذا الشب ما بقدر يوفر كل هادا بالشراكة طبعا فبلا هالجيزة و كتير من صاحباتنا تطلقوا لهالاسباب. قبل عدة ايام كنت في زيارة لعائلة ميسورة ولديها شاب اصبح قريب الاربعين و كان بيتكلم في موضوع زواجه فهو يريد ذلك ووالدته تريد له ذلك و اخبرني انه يعمل طةل النهار و المساء ب 350 دينار وخطيبته تعمل ب 300 دينار و يحتاج لشقة لا تزيد عن 250 دينار و يدفعان مواصلات فوق ال 150 دينار فكيف بده يدبر حاله فكان دائما يؤجل لتتحسن الظروف ولكن كيف تتحسن والبطالة منتشرة و لا يسمح له دوامه ان يعمل بوظيفتين و ربما يفقد وظيفته. حتى الان لا يجد حلا ..
تغير أدوار المرأة:
الاستقلال المادي: تحولت المرأة من دورها التقليدي كربة منزل إلى امرأة عاملة مستقلة مادياً، تساهم بشكل كبير في دخل الأسرة.
التحرر من القيود الاجتماعية: لم تعد المرأة تنتظر فارس الأحلام بل أصبحت أكثر حرية في اتخاذ قرارات حياتها، بما في ذلك الزواج.
تغيير المعايير الاجتماعية للزواج: لم يعد الزواج مجرد تكوين أسرة، بل أصبح مرتبطاً بمعايير اقتصادية واجتماعية جديدة.
التحديات الاقتصادية التي تواجه الشباب:
ارتفاع تكاليف المعيشة: تكاليف الإيجار والمواصلات والأساسيات الأخرى ارتفعت بشكل كبير، مما يجعل تكوين أسرة أمراً صعباً.
البطالة وانتشار العمل بدوام جزئي: يواجه الشباب صعوبة في العثور على وظائف مستقرة ذات رواتب مجزية، مما يقلل من قدرتهم على توفير متطلبات الحياة.
ضغوط اجتماعية: يتعرض الشباب لضغوط اجتماعية كبيرة للزواج، في الوقت الذي لا يجدون فيه الظروف المادية المناسبة.
أسباب تفضيل النساء للقاءات النسائية:
التضامن النسوي: تشكل النساء مجموعات دعم اجتماعي، تبادلن فيها الخبرات والتحديات التي يواجهنها.
الهروب من ضغوط البحث عن شريك: قد تكون هذه اللقاءات بمثابة استراحة من ضغوط البحث عن شريك حياتي في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة.
تأكيد الهوية النسائية: قد تساهم هذه اللقاءات في تعزيز الهوية النسائية والاستقلال.
أبعاد اجتماعية أخرى:
تراجع المؤسسة الزوجية: قد تؤدي هذه التحديات الاقتصادية والاجتماعية إلى تراجع المؤسسة الزوجية وزيادة معدلات الطلاق.
تأثير التكنولوجيا: تلعب وسائل التواصل الاجتماعي دوراً كبيراً في تغيير العلاقات الاجتماعية وتكوين الصداقات.
ومن هنا يجب علينا ايجاد حل جذري لهذه المشكلة الاجتماعية قبل ان تصبح افة يصعب حلها. (صندوق الستر ).. هذا ما اعتقد انه يمكن ان يساعد في حل المشكلة.. فأقترح تشكيل صندوق تبرعات مع لجنة حكومية او اجتماعية مشرفة تكون مختصة فقط لمساعدة الشباب عندما يحين وقت و طلبهم للزواج و المساعدة في ذلك و تقوم هناك حملة توعية اجتماعية عالية من اجل هذا العمل التطوعي الخيري الجماعي و مما تصوره بأن الهيئات الخيرية و البنوك والمصانع و التجار و اصحاب الاموال والشركات الصغيرة والمتوسطة، والأفراد، والمغتربين. لن يتوانوا عن التبرع لهذا الصندوق والذي يمكنه ان : 1- يقوم بتأمين عقد ايجار شقة مفروشة للعروسين لمدة عام كامل .. 2- تقديم مبلغ 3 الاف دينار للعروسين كهدية زواج.. 3- مساعدتهم بأيجاد فرص عمل للزوجين او لأحدهم ان لم يكن لديه عمل .. 4- برمجة الزواج الجماعي فالكثير من الدول تقوم به كاحتفال جماعي يدعهو الى سعادة كا المشتركين به و عائلاتهم ويمكن اقامته على ستاد رياضي بالتبرع من احد النوادي و تحت رعاية عدة من البنوك والشركات. وتكون مفتوحه للجميع لتصبح مناسبة و فعالية وطنية في اوقات الصيف عدة مرات.
ان مقترح صندوق الستر يهدف ايضا الى:
التعاون المجتمعي: يشجع على التعاون بين القطاعين العام والخاص والمجتمع المدني، مما يعزز الشعور بالمسؤولية المجتمعية.
التأثير الإيجابي: يمكن أن يساهم الصندوق في تخفيف العبء المالي على الشباب، وتشجيعهم على الزواج، وتحسين جودة الحياة الأسرية.
الابتكار: فكرة الزواج الجماعي هي فكرة مبتكرة يمكن أن تساهم في تقليل التكاليف وتوفير جو من الفرح والمشاركة.
التحديات المحتملة والتوصيات:
الاستدامة المالية: يجب وضع خطة واضحة لضمان استدامة الصندوق مالياً على المدى الطويل، وذلك من خلال آليات تمويل مستدامة مثل التبرعات المتكررة، والاستثمارات، وإدارة أموال الصندوق بكفاءة.
الشفافية والمحاسبة: يجب أن يكون هناك نظام شفاف للمحاسبة والإدارة لضمان وصول الأموال إلى المستفيدين الحقيقيين، وتجنب أي حالات فساد.
الاستهداف: يجب أن يكون هناك معايير واضحة لتحديد المستفيدين من الصندوق، وضمان وصول الدعم إلى الفئات الأكثر احتياجاً.
التأثير على السلوك: يجب أن يصاحب الصندوق حملات توعية واسعة النطاق لتغيير السلوكيات المجتمعية المتعلقة بالزواج، وتشجيع الشباب على تحمل المسؤولية والاعتماد على النفس.
التكامل مع السياسات الحكومية: يجب أن يكون الصندوق جزءًا من استراتيجية شاملة لدعم الشباب والأسرة، وأن يتكامل مع السياسات الحكومية الأخرى في مجال الإسكان والتشغيل.
تنويع الخدمات: يمكن للصندوق تقديم خدمات أخرى مثل الإرشاد الأسري والنفسي، ودورات تدريبية لتطوير المهارات.
تقييم الأثر: يجب إجراء تقييم دوري لأثر الصندوق على المستفيدين وعلى المجتمع بشكل عام
اتمنى السعادة لجميع ابنائنا و بناتنا معا يستطيعون التعاون للنهوض بمجتمعنا حديثا قويا سعيدا وعلينا جميعا مساعدتهم بكل ما نستطيع حتى لو بالخبرة والنصيحة.
تحليل المقالة:
في هذه المقالة، يعرض الدكتور محمد جودة مشكلة تراجع معدلات الزواج في الأردن نتيجة للتحديات الاقتصادية التي تواجه الشباب، والتي تتداخل مع التقاليد الاجتماعية الموروثة. يستعرض الكاتب تجاربه الشخصية والملاحظات الاجتماعية ليضع مقترحاً لحل هذه المشكلة من خلال تأسيس "صندوق الستر". فيما يلي أبرز المحاور والرسائل التي تضمنتها المقالة:
التحديات الاقتصادية والاجتماعية:
1. ارتفاع تكاليف الزواج: يعاني الشباب الأردني من ارتفاع تكاليف الزواج، بدءًا من شراء المنزل وتوفير مستلزمات الزواج الأساسية، وهو ما يجعل الزواج عبئًا كبيرًا.
2. البطالة وانخفاض الرواتب: تعد البطالة وانتشار الوظائف ذات الدخل المحدود من أبرز العوامل التي تعيق الشباب عن الزواج، مما يؤدي إلى تأجيل اتخاذ هذه الخطوة.
3. التغير في دور المرأة: أصبحت المرأة الأردنية أكثر استقلالية، حيث أنها لم تعد تعتمد على الزواج لتحقيق الاستقرار الاقتصادي، بل تسعى لتحقيق ذاتها المهنية والمالية.
تأثير التقاليد الاجتماعية:
1. تقاليد النقوط والمساعدات: يتناول الكاتب تقاليد "النقطة" في الأعراس الأردنية وكيف تطورت من مساعدات مالية بسيطة إلى هدايا ثمينة، مشيراً إلى تشابه هذه التقاليد مع ما يحدث في إيطاليا.
2. الإسراف في حفلات الزواج: يشير الكاتب إلى الإفراط في الإنفاق على حفلات الزفاف كظاهرة اجتماعية موروثة، والتي تزيد من الضغوط على الشباب.
مقترح "صندوق الستر":
1. دور الصندوق: يقترح الكاتب إنشاء "صندوق الستر" كمبادرة مجتمعية لدعم الشباب في تأمين متطلبات الزواج، مثل توفير سكن مؤقت وتقديم مساعدات مالية.
2. أهداف الصندوق:
- التعاون المجتمعي: تعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص والمجتمع المدني لتقديم الدعم المالي واللوجستي للشباب.
- الزواج الجماعي: تنظيم حفلات زفاف جماعية لتقليل التكاليف وتشجيع الشباب على الزواج.
3. التحديات والتوصيات:
- الاستدامة المالية: ضرورة وضع خطة لضمان استمرارية التمويل للصندوق.
- الشفافية والمحاسبة: أهمية وجود نظام إدارة شفاف لضمان وصول الدعم إلى المستفيدين المستحقين.
- تكامل الصندوق مع السياسات الحكومية: دمج الصندوق ضمن استراتيجية شاملة لدعم الشباب
الرسائل والفوائد:
- رفع الوعي: تسليط الضوء على ضرورة مراجعة التقاليد الاجتماعية المتعلقة بالزواج، وتبني مبادرات مجتمعية مثل "صندوق الستر" لتخفيف الضغوط الاقتصادية.
- تحفيز المشاركة المجتمعية: تشجيع كافة أفراد المجتمع، من شركات وأفراد، على المساهمة في الصندوق لضمان استمراريته وفعاليته.
- تعزيز الاستقرار الاجتماعي: دعم الشباب في الزواج يؤدي إلى استقرار المجتمع وتقليل ظاهرة العنوسة وتأخر الزواج.
المقالة تقدم رؤية متكاملة للتعامل مع واحدة من أبرز القضايا الاجتماعية في الأردن، وتسعى إلى تحفيز المبادرة المجتمعية للتغلب على هذه التحديات.