الواكد يكتب: حزمة الأمان لمزارعي المملكة الأردنية الهاشمية الأوفياء

بقلم المهندس ليث الواكد - حزمة الأمان لمزارعي المملكة الأردنية الهاشمية الأوفياء
لا أريد الخوض في الصعوبات التي يتعرض لها المزارع الأردني في ظل التغيرات الكبيرة التي تحدث أمام ناظر الجميع، فالكل يدرك صعوبة الموقف و صعوبة الانتاج و صعوبة التسويق و صعوبة التأثير المناخي و غيرها.
و للأسف و في خضم كل ذلك، نشاهد وزاراتنا (الزراعة ، العمل، التجارة والصناعة والتموين، البيئة ، التخطيط .....) تعمل بشكل فردي و تتخذ قرارات فردية دون الرجوع الى اصحاب العلاقة المباشرين ودون ايجاد التوازن المطلوب الذي يحقق العدالة للجميع. و من الأمثلة على ذلك ، قرارات وزارة العمل فيما يتعلق باستقدام العمالة الوافدة وكلفة التصاريح و أخيرا قرار الزام المزارعين بالانضمام مع عمالهم الى الضمان الاجتماعي.
و لكي تكون وزارة الزراعة هي فعلاً السند و الحاضنة للمزارعين لا بد لها أن تكون طرف معادلة رئيسي في الوزارات الأخرى عند اتخاذ قرارات تمس القطاع الزراعي. و لا بد كذلك من البدء باتخاذ اجراءات واسعة و تطبيقية لدعم الزراعة و الحفاظ على ما تبقى من انتاج. ولكي تكون وزارة الزراعة هي بالفعل الحامي و الداعم للمزارعين يجب معالجة النقاط التالية و التي تساعد في تجاوز الصعوبات و تطوير حزمة أمان للمزارعين:
أولا: العمالة الوافدة.
ألم يأن الأوان لكي تقتنع الحكومة بأنه لا يمكن احلال العمالة الاردنية مكان العمالة الوافدة؟! ألم تقتنع الحكومة بعد بأن اجراءات منع الاستقدام أثرت و بشكل سلبي على القطاع بشكل و على الدولة بشكل عام؟ ألم تلاحظ الحكومة بأن تحويلات العملة الصعبة من العمالة الوافدة في ازدياد؟ ألم تقتنع الحكومة بعد بأن منع الاستقدام قد زاد الطلب على العمالة و خفض العرض ، الامر الذي أدى الى ارتفاع الاجور بشكل جنوني و تلاه طبعا التأثير الكبير على دخل المزرعة حيث أصبحت العمالة تشكل ما يزيد عن 50% من اجمالي دخل المزرعة؟
ثم تأتي مشكلة التصاريح و رسومها حيث قامت بتصويب أوضاع العمالة الوافدة عن طريق الحملات الأمنية لضبط المخالفين و من ثم رفع أجور التصاريح بشكل صارخ و مساواة رسوم التصاريح الزراعية بغيرها. لقد قامت وزارة العمل بمعاقبة المزارعين بهذه الاجراءات عند عدم قدرتها على ضبط السوق و قام المزارعون بدفع الثمن.
و من ثم القرار الأخير المتعلق بالضمان الاجتماعي. و السؤال الذي يطرح نفسه هنا ... هل وزارة العمل مهتمة فعلياً بمستقبل العامل المصري و تسعى لتأمينه بعد تعاقده؟ لمصلحة من هذا القرار ؟ لماذا هذا الضغط على المزارع؟
ثانياً: الأسواق المركزية.
كان هناك تصريح لوزير الزراعة بأنه سوف يعمل على اعادة تنظيم الاسواق لمنع الاستغلال و العمل بحرفية تضمن العدالة للجميع. أين نحن الآن؟ هل ستبقى مشكلة الاسواق قائمة ؟ هل سوف يبقى المزارع وحيداً في مواجهة كل هذه الصعوبات؟
ثالثاً: المياه
في ظل التغير المناخي ، تعتبر المياه هي العامل الرئيسي في الزراعات المروية و ربما في الزراعات البعلية (ري تكميلي). لا بد لوزارة الزراعة أن يكون لها دور فني في قرارات وزارة المياه و الري. لا يعقل أن تبقى الأمور على ما هي عليه حاليا. لا يعقل أن يحصل مزارع الأغوار على أقل من نصف احتياجات محصوله.
كذلك لا يمكن لوزارة الزراعة أن تلعب دور المشاهد على التوسع الغير المنطقي في الرقعة الزراعية المروية في الصحراء و المناطق الجنوبية للمملكة في ظل عجزها عن ايجاد اسواق تصديرية للمنتج و في ظل انهيار اسعار كافة المنتجات الزراعية و من كافة المناطق.
أين خطط الوزارة فيما يتعلق بمياه الري في ظل التغير المناخي الذي أثر على المملكة بشكل واضح للجميع.
رابعاً: الاستيراد
ما هي الفكرة من استيراد محصول في الفترة التي يتم فيها انتاجه محلياً؟ هل هو خطأ اداري؟ هل هو تغول تجار؟ أما آن الأوان لإيجاد صيغة توافقية بين جميع الأطراف من منتجين و تجار و مستهلكين؟ هل الوزارة قادرة على ذلك أم أن هتاك قوى أخرى تتحكم في المشهد؟
خامساً: دور الوزارة الفني
لماذا تراجع دور الوزارة الفني؟ أين الارشاد الزراعي الفاعل؟ أين وزارة الزراعة من التحديات التي تواجه المزارعين؟ لماذا اقتصر دور وزارة الزراعة على الامور الادارية و بقيت الامور الفنية مجرد ديكور و أقسام و مسميات دون فاعلية و الشواهد كثيرة ؟
في ظل التغير المناخي ، ظهرت الكثير من الامراض و الحشرات التي أصبحت تؤرق المزارع و تكلفه الكثير دون تحريك ساكن من الوزارة!
سادساً: مستلزمات الانتاج
في ظل الارتفاع الجنوني لاسعار مستلزمات الانتاج، أين دور الوزارة؟ لماذا تركت المزارع وحيداً في الساحة؟ ارتفعت الاسعار من ضعفين الى ثلاثة اضعاف في فترة بسيطة لم يستطع المزارع معها التكيف و التعامل معها فأدى ذلك إما لانخفاض الانتاج أو تدني جودة المنتج و بالتالي انخفاض المردود و الذي بدوره أدى الى تراجع التطوير و التحديث على مستوى المزرعة.
سابعاً: المشاريع المدعومة من الدول المانحة.
يحب على وزارة الزراعة أن تكون لديها القدرة على صياغة مقترحات المشاريع التي تضمن الوصول الى الفائدة المرجوة منها، و كذلك يجب التنسيق مع وزارة التخطيط و اشراك المعنيين عند طلب المنح او المساعدات لتكون مشاريع تطبيقية لها فائدة ملموسة على أرض الواقع. و الأهم من هذا أن تكون مشاريع تصب في مصلحة المزارع الأصيل و عدم ايجاد منافسين له عبر هذه المشاريع.
ثامناً: الاهتمام أكثر و بفاعلية أكبر بالاحصاءات الزراعية
من الملاحظ و المثير أن تكون الكثير من الاحصاءات الزراعية غير دقيقة. و هذا يشمل المساحات الزراعية و النمط الزراعي و كميات الانتاج و غيرها. و كذلك معلومات الاسواق المركزية و الكميات الواردة لها. بالاضافة الى معلومات وزارة النقل/ دائرة الارصاد الجوية بخصوص الهطولات المطرية و المعلومات المناخية الأخرى.
تعتبر الاحصاءات هي الركيزة الاساسية للتخطيط، و بقدر صحتها و دقتها يكون التخطيط سليم و نتائجه دقيقة.
الخلاصة:
اعتقد أن وزارة الزراعة بحاجة الى نهضة لتذليل جميع الصعوبات بالتعاون مع الشركاء كافة من وزارات و مؤسسات و هيئات و شركات خاصة و افراد. و يجب عليها العمل على بناء و تطوير حزمة أمان للمزارعين من خلال معالجة ما ورد آنفاً. و يمكن تلخيصه كالآتي:
1- عقد لقاءات مع المزارعين و بحضور وزارة العمل في جميع مناطق الانتاج للخروج بقرار حكيم يناسب الجميع فيما يتعلق بالعمالة الوافدة و تخفيض رسوم التصاريح و فتح باب الاستقدام ضمن شروط صارمة تضمن حقوق وزارة العمل و المزارعين.
2- يجب على الوزارة التعاون مع أمانة عمان و البلديات فيما يخص الاسواق المركزية وايجاد حلول تطبيقية تضمن حقوق الجميع و بحضور و مشاركة المزارعين.
3- يجب على وزارة الزراعة تطوير خطة للزراعات المروية بالتعاون مع وزارة المياه والمزارعين بحيث يتم تأمين المياه بشكل عادل بين المزارعين و حسب احتياجات المحاصيل و كذلك العمل على ايجاد حلول تطبيقية للتخفيف من الاحتياجات المائية مثل شباك التظليل و استخدام مواد تقليل النتح و غيرها.
4- تفعيل التشاركية مع المزارعين و التجار و المستوردين و جمعيات المستهلكين وبشكل أوسع لتنفيذ برامج استيراد فاعلة تضمن حصول المواطن الاردني على المنتجات بأسعار مثلى و كذلك تضمن العيش الكريم للمزارع و التاجر و المستورد.
5- آن الأوان لتأخذ وزارة الزراعة دورها الريادي في خدمة المزارعين فنياَ. كفانا اهمال. يجب أن تقوم الوزارة بمهامها الأصيلة و العمل على تقديم برامج ارشادية حديثة و متطورة عن طريق الاستعانة بخبراء و عدم ترك الارشاد لحديثي التخرج الذين تم تعيينهم عن طريق دور ديوان الخدمة. و كذلك يجب العمل على تقديم كل ما هو جديد من بذور و أشتال و مواد تساعد في خدمة المزارع ... و للعلم هذا ما كان يحصل بالفعل في السابق، فعلى سبيل المثال، كانت وزارة الزراعة تستورد الأشتال التي لها مستقبل تسويقي و تكاثرها في محطاتها و من ثم توزعها على المزارعين و المشاتل. وللعلم أيضاً، أسعار ثمار هذه الاشتال هي الاعلى هذه الايام. و كذلك يجب أن يكون للوزارة دور فاعل في خفض تكاليف الانتاج المتمثلة في الاسمدة و المبيدات و المنشطات و غيرها. لا يجوز أن تبقى الوزارة شاهده على تغول بعض الشركات و حصد أرباح هائلة في ظل الانهيار التسويقي لجميع منتجاتنا زون تحريك ساكن.
6- أما في موضوع المشاريع الاجنبية فلا يعقل ان نبقى اسيرين لرغبات هذه المشاريع و سياساتها و اجنداتها السرية. يجب ان تكون وزارة الزراعة هي القائد و المحرك الاساسي لها دون اية املاءات خارجية.
7- و أخيرا في موضوع الاحصاءات الزراعية. فأتمنى أن يكون هناك عمل حقيقي يضمن الحصول على المعلومة الدقيقة و معالجتها بشكل علمي واضح لكي يتم البناء عليها مستقبلا . و هنا اعتقد بأن مسألة الاحصاءات الزراعية يجب ان تكون من اختصاص الوزارة لا من اختصاص دائرة الاحصاءات العامة.
و في النهاية ارجو ان تكون وزارة الزراعة على قدر هذه المسؤولية الجسيمة و أن تخرج علينا قريبا بحزمة أمان تنقذ الزراعة و المزارعين من الغرق و التيه في لجة الاحداث و المتغيرات.
و الله من وراء القصد ، و الله الموفق