الفرجات يكتب: جيولوجيا الأردن عبر العصور.. غليان باطني.. حركات عنيفة.. أنهار عملاقة
جيولوجيا الأردن عبر العصور: غليان باطني.. حركات عنيفة.. أنهار عملاقة، تقدم بحري، فثورات بركانية، فإستقرار قاري
درب الأردن - كتب أ.د. محمد الفرجات
يعد الأردن واحدًا من البلدان التي تتمتع بتاريخ جيولوجي غني ومعقد، يعكس تأثيرات قوى طبيعية عظيمة من نشاطات تكتونية وبركانية، بالإضافة إلى التغيرات المناخية والبيئية التي طرأت عليه عبر العصور الجيولوجية. يشهد هذا التاريخ على تأثيرات بحر التيثس الذي اجتاح المنطقة لآلاف السنين، والجبال البركانية التي تزين شمال شرق الأردن، فضلاً عن الرواسب الرملية القادمة من الدرع العربي في عصور الكامبري والأوردوفيشي، التي خلفت وراءها ثروات طبيعية كثيرة. هذه الثروات المعدنية تساهم بشكل كبير في الاقتصاد الوطني، ويُمكن استخدامها في صناعات متعددة، من البناء إلى الطاقة.
صخور القاعدة الجرانيتية في العقبة ووادي عربة الجنوبي
تعتبر صخور القاعدة الجرانيتية المتكشفة في منطقة العقبة ووادي عربة الجنوبي من أقدم الصخور في الأردن. تعود إلى العصر ما قبل الكامبري، أي أكثر من 600 مليون سنة، وتشكلت هذه الصخور نتيجة العمليات التكتونية العميقة والنشاط البركاني في الدرع العربي. تتميز صخور الجرانيت بالمتانة والصلابة، مما يجعلها مثالية للاستخدام في البناء والتشييد، كما تُعد مادة خام رئيسية في الصناعة الإنشائية، نظرًا لقوتها وقدرتها على التحمل في البيئات القاسية. هذه الصخور ليست مجرد آثار جيولوجية، بل هي جزء من الهوية الجغرافية للأردن، وتشكل تحديات وهدايا في آنٍ واحد، بحيث يتم استخراجها لاستخدامات واسعة ومتنوعة.
الرواسب الرملية القارية: أصلها الناري ورحلة عبر العصور
في عصور الكامبري والأوردوفيشي، كانت المنطقة التي نعيش فيها الآن جزءًا من بيئة نهرية عظيمة، جلبت إليها أنهار ضخمة رواسب من فتات الدرع العربي من الجزيرة العربية بالجنوب. هذه الرواسب الرملية، تعتبر قارية الأصل، والرواسب الرملية تحمل معادن نارية مثل الكوارتز والفلدسبار، وهي ناتجة عن تفتت الصخور النارية في مناطق مرتفعة في شبه الجزيرة العربية، ثم تم حملها وتراكمها عبر الأنهار العظيمة التي مرت عبر الأردن. هذه الرواسب تُعد من المصادر الهامة التي يستخدمها الأردن في الصناعات المختلفة، بما في ذلك صناعة الزجاج ومواد البناء، بفضل قدرتها على توفير مادة خام غنية بالعناصر المفيدة صناعيا.
بحر التيثس وتأثيره العميق على جيولوجيا الأردن
في فترة الميسوزويك، وقبل حوالي 250 مليون سنة، اجتاح بحر التيثس المنطقة، ليغطي مساحات واسعة من البحر الأبيض المتوسط حاليًا وصولاً إلى وسط الأردن. هذا البحر الغزير ترك تأثيرًا عميقًا على جيولوجيا المنطقة من خلال تكوين طبقات رسوبية غنية بمواد بحرية الترسيب. عندما انحسر البحر تدريجيًا، تركزت هذه المواد في طبقات رسوبية غنية، والتي تحتوي على موارد ضخمة تشمل الفوسفات، الصخر الجيري، والصخر الزيتي، بالإضافة إلى المعادن الأخرى التي تعد من مصادر الثروة الطبيعية في الأردن.
الفوسفات: يعتبر الفوسفات من أبرز الثروات الطبيعية التي خلفها بحر التيثس. تكوّن الفوسفات نتيجة تحلل الكائنات البحرية التي استقرت على قاع البحر. هذه الرواسب الغنية، التي تترسب على أعماق كبيرة، هي المصدر الرئيسي للأسمدة الفوسفاتية التي تلعب دورًا كبيرًا في تطوير الزراعة في الأردن والعالم. إن الفوسفات الأردني يُعد من الأنواع عالية الجودة، ويُعتبر من صادرات الأردن الاستراتيجية.
الصخر الجيري: تشكّل الصخور الجيرية نتيجة ترسب الكائنات البحرية مثل الأصداف والهياكل المرجانية، وهي تشكل طبقات ضخمة على سطح الأرض. يُستخدم الصخر الجيري في صناعة الإسمنت ومجموعة من المواد البنائية الأخرى، ويعد من المعادن الهامة في قطاع البناء والتشييد.
الصخر الزيتي: تُعد الصخور الزيتية مصدرًا محتملاً للطاقات البديلة، وقد تكون جزءًا من استراتيجية الطاقة المستقبلية للأردن. يمكن استخراج المواد العضوية الموجودة في الصخر الزيتي وتكريرها للحصول على الطاقة، مما يُشكل بديلاً للطاقة التقليدية.
الثورات البركانية في شمال شرق الأردن وأثرها الصناعي
تاريخ الأردن البركاني ليس حديثًا، فقد شهدت منطقة الحرة شمال شرق الأردن عدة ثورات بركانية بين 8 إلى 30 مليون سنة مضت. أسفرت هذه الثورات البركانية عن تكوّن الصخور البازلتية التي تغطي مساحات واسعة من الأراضي. هذه الصخور البازلتية تتمتع بصلابة عالية، مما يجعلها مثالية لاستخدامها في إنشاء الطرق والبنية التحتية. كما أن الصخور البازلتية تستخدم في صناعة الإسفلت بفضل خصائصها الفيزيائية التي تضمن تحمل الأحمال الثقيلة على الطرق، مما يعزز من جودة وصلاحية الشبكة الطرقية في المملكة.
الأهمية الصناعية للصخور في الأردن
تسهم الصخور الجيولوجية الأردنية في تنمية الاقتصاد من خلال توفير مواد خام أساسية لصناعات متعددة، ومنها:
صخور القاعدة الجرانيتية: تُستخدم في البناء والإنشاءات لصلابتها وقوة تحملها.
الرواسب الرملية: تدخل في صناعات الزجاج ومواد البناء نظرًا لاحتوائها على معادن مثل الكوارتز.
الفوسفات: يُستخدم في صناعة الأسمدة الزراعية ويُعد المصدر الرئيس للطاقة الزراعية.
الصخر الجيري: يدخل في صناعة الإسمنت ومواد البناء ويُعد حجر الأساس في عمليات التشييد.
الصخر الزيتي: يُعد مصدرًا محتملاً للطاقة البديلة، ويُستخدم في الصناعات الطاقوية.
الصخور البازلتية: تُستخدم في صناعة الإسفلت، وإنشاء الطرق والبنية التحتية بفضل متانتها.
الخاتمة: ثروات جيولوجية تُمكّن الأردن من التطور المستدام
من بحر التيثس الذي غطى المنطقة قبل ملايين السنين، إلى الصخور البركانية والجرانيتية التي تزين أرض الأردن اليوم، تَظل جيولوجيا هذا البلد شاهدة على تاريخ طويل ومعقد من التحولات الجيولوجية. ويستمر هذا التنوع الجيولوجي في تقديم كنوز طبيعية تساهم بشكل كبير في تحسين حياة الأردنيين وتعزيز الاقتصاد الوطني، مما يُمكّن الأردن من مواصلة التطور المستدام واستخدام ثرواته الطبيعية في بناء مستقبل أفضل.