الفرجات يكتب: الأمن القومي للدولة الأردنية.. إعداد الأردنيين للقادم من يهتم بهذا الملف؟

الفرجات يكتب: الأمن القومي للدولة الأردنية.. إعداد الأردنيين للقادم من يهتم بهذا الملف؟

الفرجات يكتب: الأمن القومي للدولة الأردنية.. إعداد الأردنيين للقادم من يهتم بهذا الملف؟

درب الأردن - كتب أ.د. محمد الفرجات

القادم صعب جدا ويتطلب منا إعداد وبناء أجيال وقدرات بشرية قادرة على أن تنافس وتواجه تحديات سياسية إقليمية ودولية، وتحديات مناخية وشح مائي، وتحديات بأمن الطاقة والغذاء، وعالم يتطور بشكل منسارع، ومن لا يتطور معه سينقرض. 

يُعتبر الأمن القومي بمفهومه الشامل أكثر من مجرد حماية الحدود؛ فهو يتضمن ضمان صحة ووعي المجتمع وتعزيز قدرات الأجيال القادمة. في الأردن، يمثل الشباب عماد المستقبل، غير أن هذا الملف الحيوي يواجه تحديات جمة، منها ضعف التوجيه التربوي والصحي ونقص البرامج التي تدعم التنمية الشخصية والمهارات الحياتية. ومع تزايد التحديات، تبرز الحاجة إلى جهود حقيقية ومتضافرة للارتقاء بقدرات الشباب وصحتهم ووعيهم، لأن مستقبل الدولة يعتمد بشكل كبير على تهيئة هذه الأجيال لتحمل المسؤولية وتحقيق التنمية المستدامة.

نحن أبناء المحافظات لا يسرنا كثيرا ما يقوم به من يتصدرون المشهد في عمان، فنراهم حقيقة وكأنهم كومبارسات يمثلون ويتلونون ويلاحقون المناصب بمداهنتهم، ويظهرون بالمناسبات "فلان طلب وفلان أعطى"... و "فلان أولم لفلان"، وصراع حزبي وصالونات غيبة ونميمة، وكولسات ونفوذ سياسي وعشائري ومالي، وتنازلات وتنفع وصفقات، وكلهم يلبسون بدلات فاخرة ومعهم سيارات ضخمة بأرقام رباعية، ولكنهم لا رؤية ولا حلول لديهم، ويزعجنا نحن أبناء المحافظات أن يتصدر هؤلاء صناعة القرار. 

ما زلنا بالمحافظات نعاني كثيرا، فالفقر والبطالة سوسة تنخر بالبيوت، والشباب همهم الهجرة، وكلهم يسهرون بالليل وينامون بالنهار وصحتهم تتدهور بالمقابل، ولا أحد يستطيع الزواج، والنمو السكاني الطبيعي (الوطني) يتراجع، وكل الحلول عبارة عن مبادرات غير شاملة ولا تستمر ولا تتابع، وورشات عمل لا تخرج بتوصيات، تظهر بتقارير إعلامية تجمل المسؤول الذي يحضر الافتتاح فقط، و ٩٠% منها برامج تعاون دولي. 

ضعف التوجيه في المدارس والجامعات: أزمة تكوين جيل واعٍ

يعاني النظام التعليمي في الأردن من غياب رؤى واضحة لإعداد الشباب أكاديميًا ومهاريًا، حيث يغلب الطابع النظري وتكديس المعلومات في المناهج، بينما تُهمل المهارات الحياتية والتخطيط المستقبلي. يخرج الطلاب إلى الحياة العملية دون أدوات أساسية كالقدرة على تحديد الأهداف ووضع الخطط الشخصية والمهنية، ما يضعف قدرتهم على مواجهة التحديات المستقبلية. لذا، يصبح من الضروري أن تتبنى المؤسسات التعليمية منهجًا شاملًا يسهم في بناء جيل قادر على تخطيط مساره وتطوير ذاته بفاعلية.

كم تمنيت في عطلة الصيف لو أن هنالك برامج أو مراكز أعلم فيها أطفالي الروبوت والذكاء الاصطناعي وبرمجته،،، نحن في المحافظات مغيبون عن كل ذلك. 

التراجع العلمي والمعرفي للخريجين: ضعف في جودة التعليم العالي ومخرجاته

شهد التعليم العالي تراجعًا في معايير الجودة، حيث لم تعد الجامعات تلتزم بمعايير صارمة لاختيار الكفاءات الأكاديمية، ويقل الحرص على رفع مستوى برامج الدراسات العليا محليًا ودوليًا. أصبحت الشهادات تُمنح دون تحقيق المستوى الأكاديمي المطلوب، ما أدى إلى ضعف عام في كفاءة الخريجين وأدائهم في سوق العمل. كما زادت ظاهرة "مكاتب إعداد الأبحاث" التي تُقدّم رسائل جامعية بمقابل مادي، مما يضعف مصداقية التعليم العالي ويقوّض مهارات البحث العلمي لدى الطلاب.

بالإضافة إلى ذلك، نجد لجان المناقشة تفتقر أحيانًا إلى التدقيق الأكاديمي الصارم على جودة الأبحاث المقدمة، حيث تُمنح شهادات الدراسات العليا دون استيفاء المعايير الأكاديمية. هذه السياسات المتساهلة تؤثر سلبًا على مكانة التعليم العالي، وتُضعف من جودة الأبحاث المنشورة ومستوى الخريجين، مما يجعل التعليم العالي بحاجة ماسة إلى إعادة هيكلة لضمان استيفاء الشهادات لمعايير البحث والجودة.

لن نعجب لضعف بعض مؤسساتنا وبعض خريجي مدارسنا، فإن كان بعض من يعلم ويخرج المعلم والمهندس والموظف... إلخ ضعيف، فبالتأكيد ستكون كل الحلقة ضعيفة. طبعا هنا لا نعمم، ولكن يوجد تحديات حقيقة بهذا الجانب. 

ضعف برامج التوعية الصحية وغياب مرافق ممارسة الرياضة

يعاني الأردن من غياب برامج توعية صحية موجهة في المدارس والجامعات، حيث تندر الأنشطة الرياضية المناسبة ويتزايد الاعتماد على أنماط حياة غير صحية. يفتقر تخطيط المدن إلى مساحات مخصصة للمشي أو ممارسة الأنشطة الرياضية، مما يعزز من ارتفاع معدلات الأمراض المزمنة مثل السمنة وأمراض القلب. إن غياب هذه البرامج والمرافق يجعل من الصعب على الطلاب والشباب ممارسة الأنشطة الرياضية بانتظام، مما يؤثر على صحتهم الجسدية والنفسية ويثقل النظام الصحي على المدى البعيد. لذا، فإن تبني سياسات صحية شاملة تشجع على نمط حياة صحي وتوفر المرافق اللازمة يُعدّ ضرورة ملحة لحماية الصحة العامة.

العادات الصحية الضارة: معدلات مرتفعة للتدخين وتأثيرات سلبية على المجتمع

يعد الأردن من بين الدول التي تسجل أعلى معدلات التدخين عالميًا، وهو ما يعكس خللًا في الوعي الصحي العام وغياب البرامج المؤثرة للحد من هذه العادات الضارة. التدخين، باعتباره إحدى العادات الصحية السلبية، يزيد من العبء الصحي على الدولة ويؤدي إلى انتشار أمراض مزمنة تتطلب علاجًا مستمرًا. لذا، يتوجب على الجهات المعنية تكثيف جهودها في برامج مكافحة التدخين وتعزيز العادات الصحية السليمة.

غياب التخطيط الشخصي والمهني لدى الشباب: ضرورة تنمية المهارات الحياتية

يفتقر الكثير من الشباب الأردني إلى المهارات اللازمة لتحديد أهدافهم ووضع خطط شخصية ومهنية لتطوير أنفسهم. تتجاهل معظم المؤسسات التعليمية هذه الجوانب المهمة، ما يترك الشباب دون توجيه كافٍ في كيفية بناء حياتهم المهنية والشخصية. تعزيز هذه المهارات يمثل خطوة أساسية في بناء مجتمع واعٍ وقادر على اتخاذ قرارات تحقق طموحاته وتخدم المجتمع ككل.

ضعف التخطيط الاستراتيجي في المؤسسات وأثره على الكفاءة والإدارة

لا تقتصر التحديات على ضعف مخرجات التعليم فحسب، بل تمتد أيضًا إلى المؤسسات العامة والخاصة. الكثير من المؤسسات تفتقر إلى رؤية استراتيجية حقيقية أو خطط عمل واضحة، ما يعوق تحقيق الأهداف ويؤدي إلى تراجع الأداء. يُعزى هذا إلى تعيين قادة ومسؤولين لا يملكون الكفاءة المطلوبة لقيادة مؤسساتهم بفعالية. إن تعزيز التخطيط الاستراتيجي وتنفيذ خطط واضحة يستلزم قيادة مؤهلة قادرة على توجيه العمل نحو تحقيق أهداف وطنية تخدم المصالح العامة.

غياب دور السلطات المحلية في تحسين الصحة والمعرفة: إهمال الجانب الإنساني في التخطيط الحضري

من جانب آخر، تتحمل السلطات المحلية في المدن والقرى دورًا كبيرًا في تحسين جودة الحياة، إلا أن دورها يظل شبه غائب في هذا المجال. تندر المبادرات التي تهدف إلى تعزيز الصحة والثقافة والمعرفة، ولا تحظى الأجيال الناشئة ببرامج توعوية تُعنى بتطوير وعيهم الصحي والثقافي. إضافة إلى ذلك، يُظهر تخطيط استعمالات الأراضي تجاهلًا للجانب الإنساني، حيث يندر تخصيص مساحات عامة ملائمة للمشي أو ممارسة الرياضة أو حتى التنزه، مما يحرم السكان من بيئة معيشية صحية.

هذا النقص في التخطيط الإنساني يعكس قصورًا في رؤية السلطات المحلية، ويفوّت فرصًا كبيرة لتحسين جودة الحياة العامة وتعزيز الصحة العامة.

ختامًا: من يتحمل المسؤولية؟

يُعتبر بناء الإنسان وتنمية وعيه وصحته حجر الأساس في تحقيق الأمن القومي الشامل. إن هذا الملف يتطلب تكاتف جميع الجهات المعنية، بدءًا من وزارة التعليم العالي ووزارة الصحة، مرورًا بالمدارس والجامعات، وصولاً إلى السلطات المحلية والمجتمع المدني. المطلوب اليوم هو رؤية وطنية متكاملة تهدف إلى تحقيق تنمية شاملة تعتمد على التوجيه السليم والتخطيط الاستراتيجي وإشراك الشباب بفعالية.