العقبة: بين الطموح والتحديات... هل آن الأوان لإعادة النظر؟

كتب أ.د. محمد الفرجات
لطالما كانت العقبة مشروعًا وطنيًا طموحًا، وُضعت له خطط كبيرة ورُسمت لها آمال عريضة لتكون نموذجًا اقتصاديًا متطورًا ومركزًا حيويًا للاستثمار والسياحة والتجارة في المنطقة. ومع مرور السنوات، تشكلت صورة واضحة عن الواقع الذي تعيشه المدينة، حيث تتباين الطموحات مع الحقائق على الأرض، وتُطرح العديد من الأسئلة حول المسار الذي تسلكه العقبة اليوم، ومدى توافقه مع الرؤية التي أُطلقت من أجلها.
التنمية الاقتصادية: ما بين المخططات والواقع
المدن ذات الطابع الاقتصادي الخاص تُبنى على أسس ديناميكية، حيث تتحرك عجلة المال والأعمال بسلاسة، وتُخلق بيئة استثمارية جاذبة توفر فرصًا واسعة لسكانها. لكن العقبة، التي كان يُفترض أن تكون في طليعة هذه المدن، تعاني من ركود واضح في العديد من القطاعات الاقتصادية، ما أثر على تنافسيتها الإقليمية والدولية.
الأسواق التجارية التي كانت تعِدُ بحركة نشطة باتت تشهد فتورًا ملحوظًا، وحركة العقارات التي تُعد مقياسًا لصحة الاقتصاد المحلي أصبحت تعاني من التراجع. هذه المؤشرات تفتح الباب أمام مراجعة جادة للسياسات الاقتصادية، وضرورة التفكير في استراتيجيات جديدة تواكب المتغيرات العالمية والإقليمية، وتعيد للمدينة بريقها الاقتصادي.
رسالة العقبة الإقتصادية إلى العالم... هل هناك رسالة للترويج؟
أي منطقة اقتصادية خاصة تسعى للنجاح تحتاج إلى استراتيجية إعلامية واضحة تعرّف بها العالم، وتبرز الفرص الاستثمارية التي تقدمها، وتسوق لمزاياها الفريدة. ومع ذلك، فإن العقبة تفتقر إلى أي رسالة إعلامية موجهة تجذب المستثمرين وتضعها على الخارطة الاقتصادية الإقليمية والعالمية.
ما الذي يعرفه المستثمرون عن قانون المنطقة الاقتصادية الخاصة؟ ما الذي يُقال عالميًا عن الحوافز الضريبية والتسهيلات التي تقدمها العقبة؟ وأين الجهود الإعلامية في الترويج للمنتجات الصناعية التي تخرج من العقبة إلى الأسواق الإقليمية والدولية؟ كل هذه الأسئلة تظل دون إجابة واضحة، مما يبرز فجوة تسويقية كبيرة تحتاج إلى معالجة فورية لجذب الأنظار نحو العقبة كوجهة استثمارية حقيقية.
التحول إلى مدينة ذكية: غياب المؤشرات
في عصر الثورة الصناعية الرابعة، تتحول المدن الكبرى حول العالم إلى مدن ذكية، حيث يتم توظيف التكنولوجيا في تحسين جودة الحياة، وتطوير البنية التحتية، وتعزيز الاستدامة الاقتصادية والبيئية.
لكن العقبة، رغم كونها منطقة اقتصادية خاصة، لا تبدو على أي مسار نحو التحول الرقمي أو تطبيق مفهوم المدينة الذكية. لا توجد مؤشرات واضحة على استخدام البيانات الضخمة في تحسين الخدمات، أو تطبيق حلول ذكية في النقل والمواصلات، أو حتى الاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي لجعل المدينة أكثر كفاءة واستدامة.
هل تم التفكير في تطبيق أنظمة النقل الذكية لتخفيف الازدحام؟ هل هناك خطط للاستفادة من الطاقة المتجددة في تشغيل مرافق المدينة؟ هذه الأسئلة تطرح نفسها في وقت أصبح فيه التحول الرقمي معيارًا أساسيًا لنجاح أي مدينة اقتصادية حديثة.
فرص الشباب والعمل: طاقات تبحث عن مسار
في أي بيئة اقتصادية حيوية، يمثل الشباب المحرك الأساسي للنمو، فهم القوة التي تبني وتعزز التنمية. ومع ذلك، فإن الأرقام والواقع يشيران إلى تحدٍ متزايد يتمثل في ارتفاع معدلات البطالة بين خريجي الجامعات والمعاهد، حيث يجد الكثير منهم أنفسهم بلا فرص واضحة في سوق العمل.
لكن المشكلة لا تقتصر على غياب الوظائف، بل تمتد إلى غياب بيئة تحفّز على الابتكار والإبداع. فالشباب اليوم بحاجة إلى منصات تدعم أفكارهم الريادية، وتوفر لهم مساحات للإبداع والاختراع. لماذا لا نرى حاضنات أعمال متطورة تستقطب العقول الشابة؟ لماذا لا توجد برامج تحفيزية لدعم الشركات الناشئة والابتكارات المحلية؟
المدن الناجحة تستثمر في شبابها، والعقبة بحاجة إلى بيئة تدعم التفكير الابتكاري، وتوفر موارد تُمكّن الشباب من تحويل أفكارهم إلى مشاريع ريادية تسهم في دفع عجلة التنمية.
البنية التحتية والتخطيط الحضري: معادلة السلامة والجاذبية
من أبرز التحديات التي تواجه المدن المتطورة هو التوازن بين التنمية السريعة والتخطيط الحضري المتقن. وفي هذا الإطار، يظل التخطيط المروري أحد العناصر الأساسية لضمان بيئة آمنة وسلسة للحركة.
تشير بعض المشاهدات اليومية إلى أن الواقع المروري في العقبة يواجه تحديات تتطلب حلولًا مبتكرة لضمان سلامة المارة والسائقين. فالمناطق ذات الكثافة المرورية العالية تحتاج إلى تخطيط أكثر فاعلية، يعالج النقاط العمياء ويقلل من احتمالات الحوادث. كما أن الاهتمام بالتفاصيل الصغيرة في البنية التحتية قد يسهم بشكل كبير في تحسين جودة الحياة داخل المدينة.
تنمية المجتمع المحلي: أين المبادرات؟
المدن الاقتصادية الناجحة لا تبنى فقط على المشاريع الضخمة والاستثمارات الخارجية، بل تعتمد بشكل أساسي على التنمية المجتمعية التي تجعل السكان جزءًا من عملية التطوير.
لكن العقبة لا تزال تفتقر إلى مبادرات تنموية حقيقية ترفع من مستوى الحياة للمجتمع المحلي. هل هناك مشاريع تُمكّن المرأة اقتصاديًا؟ هل هناك برامج لدعم الحرف التقليدية؟ هل توجد خطط لإيجاد بيئة تعزز من الحركة والانتاج الثقافي بالمدينة؟
الاقتصاد القوي يحتاج إلى تعزيز دور المجتمع المحلي ومشاركته ودعمه وتمكينه بكل المجالات، وإذا لم تكن هناك جهود واضحة لتنمية المجتمع المحلي، فستظل العقبة مجرد منطقة اقتصادية على الورق دون روح تنبض فيها.
المساءلة والتطوير المستمر: رؤية للمستقبل
أي مشروع اقتصادي لا يمكن أن يحقق نجاحًا مستدامًا دون مراجعة دورية للأداء، وقياس مدى التقدم نحو الأهداف المنشودة. وتظل العقبة مثالًا يمكن أن يُبنى عليه الكثير، شريطة أن تكون هناك آلية واضحة للمراجعة والتقييم، وأن يكون هناك انفتاح على الأفكار الجديدة التي قد تساهم في دفع عجلة التنمية.
قد يكون الوقت مناسبًا للتفكير في تطوير استراتيجيات جديدة، وإدخال نماذج اقتصادية مبتكرة تعزز من مكانة العقبة، وتعيد إحياء ديناميكيتها الاقتصادية. فالفرص لا تزال موجودة، ولكن الاستفادة منها تتطلب رؤية متجددة وقرارات تستند إلى تخطيط طويل الأمد يأخذ بعين الاعتبار التحديات الحالية والمستقبلية.
ختامًا: العقبة تنشد التنمية والتفوق فهل نستطيع؟
المدن التي تحقق النجاح ليست تلك التي لا تواجه التحديات، بل تلك التي تمتلك القدرة على التكيف معها وإيجاد الحلول الفعالة لها. والعقبة اليوم أمام فرصة لإعادة ضبط مسارها الاقتصادي، واستثمار إمكاناتها بشكل أفضل لتكون نموذجًا حقيقيًا لمدينة اقتصادية مزدهرة.
ربما يكون السؤال الذي يطرح نفسه اليوم هو: هل نملك الجرأة لاتخاذ الخطوات اللازمة لتحويل التحديات إلى فرص، أم أن الجمود سيظل هو العنوان العريض للمرحلة القادمة؟ الأيام وحدها كفيلة بالإجابة.
ملاحظة: منذ خمسة أعوام لم أجد وسيلة إلا وناديت عبرها مجلس مفوضي العقبة الموقر لحماية أرواح المواطنين، وما زال الشارع الواصل من إشارات إسكان الجيش إلى دوار السلال بالاتجاهين واليوتيرن عليه يشكل خطرا حقيقيا، وما زال دوار السلال غصة مرورية يومية في العقبة، وما زال مدخل المدينة (تقاطع التاسعة) لا يليق بمدينة إقتصادية خاصة.