مستقبل العقبة: بين الصناعة والتجارة والسياحة 

 مستقبل العقبة: بين الصناعة والتجارة والسياحة 
 مستقبل العقبة: بين الصناعة والتجارة والسياحة 

بقلم الدكتور محمد جودة والمهندس رائد الصعوب والذكاء الاصطناعي يحللان
درب الأردن -  

"مشكلة العقبة أن مساحتها صغيرة والمراد لها أن تكون منطقة صناعية وتجارية وسياحية، لا يمكن تنفيذه إلا بمساحات أكبر. فالسياحة البحرية تحتاج إلى شواطئ ذات مساحات كبيرة ومناطق خالية من التلوث، فلا يمكن للسائح السباحة وهو يتنفس غبار الفوسفات والبوتاس ويعوم وسط ديزل القوارب. هنا يجب الاختيار ماذا نريد من العقبة أن تكون وحسب الممكن، وأعتقد أن أسلم شيء لها هو ميناء تجاري كبير ومنطقة صناعية حديثة كبيرة ذات خدمات تصلح للاستثمار الداخلي والخارجي، وتسمح للمصانع بأن تكون منافسة لقربها من ميناء الشحن للاستيراد والتصدير. انسوا موضوع السياحة، والفنادق الموجودة تخدم المصانع والزبائن الخاصين بهم."

العقبة كما أراها...:

      أنا وزوجتي الإيطالية وباقي أفراد العائلة نحب العقبة كثيراً من منطلق حبنا للأردن الوطن وأهله الكرام. دائماً نذهب إلى العقبة، لكن ليس لأكثر من ليلتين، لعدة أسباب. في إيطاليا، في بحرها المتنوع التضاريس والمناظر الطبيعية، نأخذ أسبوعاً للسياحة على شاطئ البحر لتنفس الهواء البحري النقي المليء باليود في المناطق الصخرية أو السباحة في المياه السماوية على الشواطئ الرملية الساخنة التي تطرد رطوبة الجسم التي تم تخزينها طيلة أيام العمل. والفنادق هناك نظيفة جداً وتخضع لتدقيق مستمر، وأكلها ممتاز وأسعارها في متناول الجميع، وهذا يحتاج إلى مقال خاص بذلك.

      أما في العقبة، بسبب الغلاء الفاحش لأسعار الفنادق الواقعة على الشواطئ، وتلوث الجو بالغبار عند شحن البوتاس أو الفوسفات إلى ظهر البواخر مكشوفاً، ومع مرور البواخر التجارية والزوارق الزجاجية الكثيرة برائحة محروقاتها وأصواتها المزعجة، وتعوم في مياه كانت صافية وأصبحت ملوثة بالوقود الناتج من كل تلك المراكب واليخوت السياحية والتجارية الكبيرة والصغيرة، فلا نستطيع أن نصمد أكثر من يومين. ولا أدري ولا أفهم لماذا على السائح أن يدفع مبلغ 300 دولار لقاء ليلة في فندق علماً أنه في مثلها يقضي عدة أيام في شرم الشيخ أو في تركيا وغيرها من المنتجعات السياحية المجهزة لغرض السياحة بكل وسائل الراحة.

      كنت أسمع الكثير عن العقبة: كمدينة اقتصادية خاصة، ومدينة سياحية وصناعية وتجارية، وميناء مهم لشحن واستلام البضائع حتى للدول المجاورة!؟

كيف هذا؟ وحسب مساحة العقبة الصغيرة ومساحة شواطئها المتوفرة لا يمكن أن تكون كل هذا معاً!

 

إن موقع العقبة البحري والمساحات المسطحة الأرضية حولها تخولها أن تكون مدينة صناعية من الدرجة الأولى. ولأن معظم الصناعات في الأردن تعتمد على مواد خام مستوردة يتم تصنيعها وإعادة تصديرها، فتواجد المصانع في مدينة صناعية حديثة قرب ميناء الاستيراد والتصدير سيوفر قيمة الشحن الداخلي ذهاباً وإياباً مما يؤدي إلى تقليل التكلفة، فتصبح أسعار البيع تنافسية مما يزيد فرص التصدير للخارج والحصول على العملة الصعبة. كما يقلل عدد الشاحنات الذاهبة من وإلى العاصمة، مما يقلل التلوث ويزيد من إمكانية رفع قيمة البصمة الكربونية المحصلة للدولة، ناهيك عن استعمال الطاقة الشمسية أو الهوائية البديلة لتشغيل المصانع وإنارة المدينة الصناعية بالكامل. وهذا أيضاً يضيف قيمة للبصمة الكربونية المذكورة.

      أما بالنسبة للفنادق الموجودة، فهي ستعمل أكثر من ذي قبل لأنها ستكون مكاناً لإقامة أصحاب المصانع وعائلاتهم وللزبائن وعائلاتهم والمدراء وكبار الموظفين، وستكون عامل إغراء للزبائن بزيارة المصانع في العقبة. ويتم عمل برنامج سياحي صغير لعائلات الزبائن في المناطق المحيطة كوادي رم والبترا.

 

إن تواجد المناطق الصناعية في مدينة صناعية خاصة حديثة سيؤدي إلى الحاجة إلى إقامة صرح تجاري هام لتسويق البضائع (OUTLET)، وهي كما في إيطاليا على طولها وعرضها بالقرب من المدن الصناعية، مكونة من قرية تسوق ملتفة حول ساحة مركزية أو ساحتين بعلو طابقين، على شكل منازل وفلل وبيوت سكنية جميلة المنظر من الخارج. وتتكون من الطابق الأرضي محلات تجارية وفترينات ومعارض، والطابق العلوي مخازن للبضائع. في القرية أماكن مغلقة مراقبة مخصصة لألعاب الأطفال ومطاعم ووحدات حمامات كثيرة ونظيفة جداً ومخدومة على مدار الساعة، وخدمات للسيدات وللأطفال الرضع، مما يجعل التسوق بها متعة طول اليوم وتنوع البضائع المعروضة من الملابس والأدوات المنزلية والكماليات ومفروشات الحدائق وغيره، مع مراعاة أن تكون النسبة الأكبر في المعروضات للصناعات المحلية. وكل هذا يغري المواطنين بقضاء عطلة الأسبوع في هذه القرى التسويقية الممتعة لكل أفراد العائلة، مما يعيدنا لاستعمال الفنادق لهذا الغرض.

      وهذه المدن تقوم بعمل عروض تسويقية ذكية لجلب المشترين من كل أنحاء الأردن، حيث تتفق مع باصات نقل ورحلات خاصة بها لقضاء يوم تسوق في القرية وليلة في العقبة، مما يعود بالفائدة على الجميع.

      هكذا تولد العقبة من جديد كمدينة صناعية حديثة تؤدي بها لأن تصبح تجارية، ويتمتع زائرها على الأقل بيوم سياحي.

      بالتخطيط السليم وبالإغراءات الضريبية وتقليل تكاليف الإنتاج والطاقة البديلة، سوف تتجه الكثير من المصانع إلى المدينة الصناعية الحديثة في العقبة، مما يخفف الكثير عن المدن الكبيرة والقرى من تلوث وازدحامات وغيره، وتكون عصب الأردن الصناعي والتجاري.

وفقنا الله لبناء هذا البلد الغالي ولخدمة هذه الأمة.

محمد جودة

عنوان التحليل:

المهندس رائد الصعوب والذكاء الاصطناعي يحللان 

 

تحليل المقالة:

في هذه المقالة، يسلط الدكتور محمد جودة الضوء على التحديات والفرص التي تواجه مدينة العقبة الأردنية، مع التركيز على تحديد الأولويات والاستفادة من الموقع الجغرافي للمدينة لتحويلها إلى مركز صناعي وتجاري حديث.

المحاور الرئيسية:

      المساحة والاختيار الحتمي: تبدأ المقالة بالتأكيد على محدودية المساحة في العقبة، مما يجعل من الصعب تحقيق التوازن بين كونها مدينة صناعية، تجارية، وسياحية في آن واحد. الكاتب يرى أن التركيز على الجانب الصناعي والتجاري هو الخيار الأكثر واقعية وفعالية للمستقبل.

      التحديات البيئية في السياحة: يشير الكاتب إلى أن السياحة في العقبة تعاني من تلوث الهواء والمياه بسبب النشاطات الصناعية القريبة من الشواطئ، ما يجعلها أقل جذباً للسياح مقارنة بوجهات أخرى مثل شرم الشيخ وتركيا.

            الرؤية المستقبلية للصناعة والتجارة: يقترح الكاتب تطوير العقبة كمدينة صناعية حديثة تستفيد من موقعها البحري وقربها من ميناء الشحن. هذا سيسمح بتقليل تكاليف النقل ويزيد من تنافسية الصناعات المحلية، مما يعزز فرص التصدير ويخفف الضغط عن المدن الكبيرة من حيث التلوث والازدحام.

      البنية التحتية والخدمات الداعمة: يقترح الكاتب أيضاً إقامة مناطق تجارية متخصصة (OUTLET) على غرار التجربة الإيطالية، والتي يمكن أن تجذب الزوار من مختلف أنحاء الأردن، مما يعزز الاقتصاد المحلي ويوفر فرص عمل جديدة.

الرسائل والفوائد:

 

      تحديد أولويات العقبة: الرسالة الأساسية التي ينقلها الكاتب هي ضرورة اختيار وجهة واضحة للعقبة والتركيز على تطويرها كمدينة صناعية وتجارية حديثة، مع توفير بنية تحتية وخدمات متكاملة لدعم هذا التوجه.

      تحسين جودة الحياة: التحول إلى الصناعات النظيفة واستخدام الطاقة البديلة يمكن أن يقلل من التلوث ويحسن من جودة الحياة في العقبة، مما يجعلها أكثر جاذبية للعيش والعمل.

      التعلم من التجارب الدولية: يقدم الكاتب النموذج الإيطالي كمثال يمكن للعقبة الاستفادة منه، سواء في تصميم المناطق الصناعية أو في تطوير القرى التسويقية التي تدعم الاقتصاد المحلي.

الجوانب الاقتصادية والاجتماعية:

      دعم الاقتصاد الوطني: من خلال تطوير العقبة كمدينة صناعية حديثة، يمكن أن تصبح هذه المنطقة مركزاً اقتصادياً مهماً يسهم في تحسين الاقتصاد الوطني وزيادة الصادرات.

      تعزيز فرص العمل: التحول إلى الصناعة سيخلق فرص عمل جديدة ويساهم في تحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي للمواطنين الأردنيين، خاصة في المناطق المحيطة بالعقبة.

باختصار، المقالة تدعو إلى إعادة تصور مستقبل العقبة، مع التركيز على تطوير المدينة كمنطقة صناعية وتجارية حديثة.