الرواشدة يكتب:(المكان) في رواية ( أولاد حيّ الملز) للسديري

الرواشدة يكتب:(المكان) في رواية ( أولاد حيّ الملز) للسديري
الرواشدة يكتب:(المكان) في رواية ( أولاد حيّ الملز) للسديري

درب الأردن - رمضان الرواشدة

يمكن القول إنّ المكان هو البطل الرئيسيّ، بامتياز، في رواية "أولاد حيّ الملز" للسفير نايف بن بندر السديري، الصادرة عن المؤسّسة العربيّة للدراسات والنشر في بيروت عام 2022.

فمن العتبة الأولى للنصّ الروائيّ، حسب نظريّة العتبات عند ميشيل فوكو في كتابه "حفريّات المعرفة "، وهو الغلاف الأماميّ نجد أنّ ما يشدّ الانتباه هو اسم الحيّ الّذي اتّخذه الكاتب عنواناً لروايته الّتي هي الأولى، وكذلك لوحة الغلاف " الصورة" الّتي تصوّر الحيّ.

يقع حيّ الملزّ في أقصى شرق مدينة الرياض عاصمة المملكة العربيّة السعوديّة، ومنه تنطلق الأحداث في ستّينيّات القرن الماضي من خلال الأشخاص الرئيسيّين في العمل وهم رفاق الطفولة في الحيّ: سعد الفاهد وإبراهيم الفنر وفيصل عبد الرحمن.

ومن خلال القصّ الحكائيّ يأخذك السديري في روايته، ويتجوّل بك في العديد من الأمكنة والأماكن، الّتي يعيش فيها أبطال روايته، لاحقاً، ويتقاطعون ويلتقون تارة، ويفترقون، مثل بيروت والقاهرة ولندن وباريس ونيويورك وشواطئ مدينة كان.

لذا تجد الأمكنة حاضرة بكلّ تفاصيلها في الرواية مع وصف كبير لأحيائها وشوارعها ومطاعمها وأبرز معالمها وهو يدلّ، دلالة قاطعة على ثقافة واسعة بهذا المدن والأمكنة عند المؤلّف السديريّ.

تتناول الرواية مرحلة شديدة التعقيد من حياة السعوديّة وهي فترة الطفرة النفطيّة، بعد حرب رمضان 1973، وطفرة التوسّع العمرانيّ الكبير، والنظر الى المملكة باعتبارها "خزّان نفط كبير"، وليس مجتمعاً له ملامحه الخاصّة وثقافته المتعدّدة حيث ساهمت هذه الطفرة، بصورة ما، في تشويه ملامح الإنسان السعوديّ، رغم محاولات الدولة السعوديّة العديدة والحثيثة للاعتناء بالمكان والإنسان معاً.

إقرا أيضا لرمضان الرواشدة

تتناول الرواية، أيضاً العلاقات العاطفيّة والحبّ الممنوع بين الشباب والصبايا وهي علاقة محفوفة بالمخاطر في مجتمع محافظ، من خلال علاقة الحبّ بين سعد الفاهد وموضي حمد. وقد بدأ المجتمع السعوديّ، مؤخّراً، بتجاوز هذه الحالة وتلمّس التجديد في الحياة الاجتماعيّة، ضمن إطار الانفتاح المدروس والمتوازن بعناية، ضمن معادلة تحافظ على شقّي العلاقة وهما الأصالة والمعاصرة.

يحرّك "الراوي العليم " كما هو معروف عند النقّاد، في الرواية أبطالها في كلّ الأمكنة الّتي عاشوها، ومن خلالهم يمرّ، بجرأة كبيرة" على أحداث عصفت بالسعوديّة والوطن العربيّ مثل الحديث عن حادثة احتلال الحرم المكّيّ من قبل جهيمان العتيبيّ عندما احتلّ، في العام 1979، جهيمان وأكثر من 200 مسلّح الحرم المكّيّ مدّعين ظهور المهديّ المنتظر، وانتهت بتمكّن قوّة عسكريّة سعوديّة بتحرير المكان وقتل عدد من الإرهابيّين وأسر جهيمان وإعدامه لاحقاً.

كما تتناول الرواية قضيّة اغتيال رئيس الوزراء اللبنانيّ الشهيد رفيق الحريري وما تلاها من أحداث عصفت بلبنان، وما زالت تداعياتها، حتّى اليوم.

إقرأ أيضا لرمضان الرواشدة

ثمّة شخصيّات فرعيّة في الرواية تدلّ على تنوّع وانفتاح المجتمع السعوديّ على الآخر من خلال شخصيّات مثل الطبيب الفلسطينيّ والمدرسة الشاميّة والعامل اليمنيّ وغيرهم، وتلعب هذه الشخصيّات الفرعيّة دوراً في إثراء ثقافة أبطال الرواية.

باختصار، عندما تقرأ رواية "أولاد حيّ الملز"، فأنت لا تنظر إلى الحيّ الشعبيّ في العاصمة السعوديّة الرياض، بل يأخذك الراوي إلى تفاصيل العوالم السحريّة للمدن والأمكنة الّتي يتحرّك فيها أبطال الرواية الّتي ورد ذكرهم سابقاً من خلال نصّ لا يتجاوز 224 صفحة من القطع المتوسّط.